تفاصيل الخبر
صندوق النقد الدولي : تعزيز الاستقرار المالي لضمان القدرة على الصمود في أوقات عدم اليقين
4/23/2025 3:15:25 PM
ارتفاع المخاطر في ظل تشديد الأوضاع المالية ومواطن الضعف الرئيسية المتوقعة مستقبلا
أسواق رأس المال من أهم محركات النشاط الاقتصادي، حيث تتيح الآليات اللازمة لجمع الأموال وتخصيص الموارد بكفاءة. ولذلك، فإن استقرار هذه الأسواق ومؤسساتها المالية الوسيطة له تأثير بالغ على الاقتصاد الكلي، ولا سيما عند زيادة التقلبات السوقية وعدم اليقين الاقتصادي، كما يحدث في الوقت الراهن.
ويشير تقييمنا في أحدث عدد من تقرير الاستقرار المالي العالمي إلى نمو هائل في المخاطر المهددة للاستقرار المالي العالمي نتيجة تشديد الأوضاع المالية وزيادة عدم اليقين بشأن التجارة والأوضاع الجغرافية-السياسية. ويرتكز التقييم على ثلاثة مواطن ضعف مستقبلية بارزة في النظام المالي:
تتزايد التركزات في أسواق رأس المال – فعلى سبيل المثال، تشكل الولايات المتحدة نحو 55% من سوق الأسهم العالمية، صعودا من 30% منذ عقدين – ولا تزال تقييمات بعض الأصول تتجاوز قيمتها الحقيقية بالرغم من موجات البيع الأخيرة. وتشير التصحيحات الإضافية في أسعار الأصول إلى ضرورة التيقظ في ظل عدم اليقين الاقتصادي الهائل.
تقييم الأسهم وسندات الشركات لا يزال يتجاوز قيمتها الحقيقية
أصبحت المؤسسات المالية غير المصرفية أكثر نشاطا في تحويل المدخرات تجاه الاستثمارات منذ عام 2008، وتزداد ارتباطا بالبنوك مع الوقت. وقد تشهد بعض المؤسسات المالية ضغوطا بسبب زيادة موجات البيع، مما يؤدي إلى تخفيض نسب الرفع المالي في القطاع وبالتالي تفاقم الاضطرابات السوقية.
تواصل مستويات الدين السيادي ارتفاعها، متجاوزة على ما يبدو معدل نمو البنية التحتية السوقية المسؤولة عن ضمان سلاسة عمل الأسواق. وقد تشهد أسواق السندات الحكومية الرئيسية تقلبات متزايدة، ولا سيما في البلدان ذات مستويات الدين المرتفعة. وفي الأسواق الصاعدة الأعلى خطرا، التي شهدت ارتفاع فروق العائد على سنداتها السيادية خلال الاضطرابات السوقية الأخيرة، قد تزداد صعوبة إعادة تمويل الدين أو تمويل الإنفاق الحكومي الإضافي.
ارتفاع حاد في تكلفة التمويل عبر الاقتصادات الصاعدة خلال الاضطرابات السوقية الأخيرة
وفي جميع هذه المجالات، تضطلع البنوك بدور حيوي، حيث تشكل مركز النظام المالي، لا لوظيفتها الإقراضية الأساسية فحسب، ولكن لدورها الرئيسي في تيسير نمو أسواق رأس المال أيضا. فالبنوك الدولية الكبرى من أهم صانعي أسواق السندات والمشتقات. وهي أيضا من أهم مقدمي الرفع المالي لمختلف شرائح المؤسسات المالية غير المصرفية، بفضل قدرتها على الإقراض المباشر بضمان محافظ الأصول، ومن خلال خطوط الائتمان، أو تسهيل الرفع المالي بشكل غير مباشر من خلال اتفاقات إعادة الشراء والمشتقات.
وتستخدم البنوك ذات الأهمية النظامية عالميا وغيرها من مقدمي الرفع المالي، مثل شركات مقاصة المشتقات، أدوات متنوعة للتحوط من خطر إخفاق المؤسسات المالية غير المصرفية، بما في ذلك من خلال متطلبات وترتيبات الضمان للحد من إجمالي الانكشافات. ولكنها لا تستطيع السيطرة على ما يقترضه عملاؤها من المؤسسات الأخرى. وبالتالي، ازداد الرابط بين البنوك والمؤسسات المالية غير المصرفية في السنوات الأخيرة – ففي الولايات المتحدة على سبيل المثال، بلغ اقتراض المؤسسات المالية غير المصرفية 120% من شريحة رأس المال الأولى المتضمنة للأسهم العادية في البنوك.
نمو الروابط بين البنوك والمؤسسات المالية غير المصرفية في السنوات الأخيرة
تزايد الروابط بين البنوك والمؤسسات غير المصرفية
بالرغم من التأثير الاقتصادي الإيجابي لتوسع المؤسسات غير المصرفية في نشاط الوساطة المالية، فإن فرط نموها اعتمادا على الاقتراض من البنوك التقليدية قد يجعل هذه الجهات الإقراضية بنوعيها أكثر عرضة لمخاطر عدوى محتملة. ومن بين شرائح المؤسسات المالية غير المصرفية الأخرى، يناقش هذا العدد من تقرير الاستقرار المالي العالمي كيف أن بعض صناديق التحوط، وهي من أهم فئات المؤسسات المالية غير المصرفية، قد تشهد نتائج عكسية لاستراتيجيات التداول شديدة الاعتماد على الرفع المالي بسبب التقلبات السوقية. وقد يدفعها ذلك إلى تخفيض نسب الرفع المالي من خلال بيع أصولها في أسواق هابطة، مما يتسبب بالتالي في خسائر للبنوك المقرضة لتلك الصناديق.
والائتمان الخاص هو أحد شرائح المؤسسات المالية غير المصرفية الأخرى التي شهدت نموا هائلا، وتستهدف هذه القروض عادة صغار المقترضين في قطاع الشركات. ومع استمرار نمو الائتمان الخاص، أبدت البنوك رغبتها في المشاركة من خلال المشروعات المشتركة أو عبر تقديم تسهيلات القروض. وفي ظل التنبؤات بتباطؤ النمو العالمي (راجع تقرير آفاق الاقتصاد العالمي*)، قد تتدهور قدرة المقترضين على السداد، مما يؤدي إلى خسائر لصناديق الائتمان الخاص وشركائها من البنوك على حد سواء.
كذلك، تتزايد الديون في قطاع مختلف للغاية، وهو القطاع الحكومي. ففي الوقت الحالي، يشكل الدين السيادي 93% من الناتج الاقتصادي العالمي، صعودا من 78% منذ عشر سنوات، كما ارتفعت تكلفة التمويل بالقيمة الاسمية والحقيقية. ونظرا لأن السندات الحكومية من أهم الأدوات التي ترتكز عليها أسواق رأس المال، قد تشكل الاضطرابات في هذه السوق تهديدا للاستقرار المالي.
وكما يشير تقرير الراصد المالي، يعتمد تخفيف هذه المخاطر على الضبط المالي الداعم للنمو. ومن الجوانب المهمة الأخرى هو ضمان سيولة الأسواق وكفاءة عملياتها. ففي الاقتصادات المتقدمة، تتوقف صلابة الأسواق على كفاءة الحكومة في إدارة كميات كبيرة من إصدارات السندات من جهة، وضمان قدرة البنوك والوسطاء-التجار غير المصرفيين على القيام بدور الوساطة في هذه المعاملات من جهة أخرى. وفي الأسواق الصاعدة، يتعين ضمان مصداقية أطر إدارة الدين. ويعني ذلك ضرورة تعزيز قدرة المؤسسات، ووضع أهداف واستراتيجيات واضحة لإصدار السندات واستردادها، والمعايرة الدقيقة لتكوين عملات السندات.
توصيات بشأن السياسات
إن دور المؤسسات غير المصرفية في تشجيع الرفع المالي لا ينفي منافعها الاقتصادية حال تطبيق آليات الحماية اللازمة لضمان قدرتها على مواجهة الصدمات المعاكسة. وبداية، فإن تعزيز متطلبات الإبلاغ من شأنه مساعدة الأجهزة الرقابية في وضع تصور عن نشاط هذه المؤسسات عبر النظام ككل، والتمييز بين المؤسسات التي تضطلع بدور مفيد في الوساطة المالية وغيرها من المؤسسات التي تفرط في تحمل المخاطر أو تعاني من ضعف الإدارة. ومن الضروري تعزيز السياسات اللازمة للتخفيف من مواطن الضعف الناجمة عن الرفع المالي والروابط المؤسسية، استنادا إلى المعايير الدنيا أو التوصيات الصادرة عن مجلس الاستقرار المالي وغيره من الهيئات المختصة بوضع المعايير.
ويجب أن تكون البنوك، باعتبارها أساس النظام المالي، قادرة على الصمود أمام الصدمات المعاكسة، بما في ذلك الناجمة عن ارتباطها المتزايد بالمؤسسات غير المصرفية. وسيضمن التنفيذ الكامل والفوري والمتسق لاتفاقية بازل 3 وغيرها من معايير التنظيم المصرفية المتعارف عليها دوليا التكافؤ عبر البلدان وتوافر موارد كافية من رأس المال والسيولة. ويتعين أيضا توخي الحرص في إدارة انكشافات البنوك تجاه المؤسسات المالية غير المصرفية.
وفي ظل تزايد مستويات الدين السيادي، يمكن بناء الصلابة في عمليات أسواق السندات من خلال السياسات التي تشجع المقاصة المركزية للسندات والحد من مخاطر الطرف المقابل، مما يعزز في الوقت نفسه من صلابة عمليات المقاصة المركزية. وينبغي أيضا ضمان سلامة جهات الوساطة الرئيسية في أسواق السندات الحكومية وصلابة عملياتها.
وفي الأسواق الصاعدة، يمكن تعزيز أسواق السندات من خلال توافر أطر ذات مصداقية لتلبية الاحتياجات التمويلية الحكومية. ومن الأدوات المفيدة الأخرى استراتيجيات إدارة الدين على المدى المتوسط التي وضعها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي بشأن تجديد الدين وتقييم تكوين عملاته وتكلفته التمويلية. ويمكن للاقتصادات الصاعدة أيضا النظر في سبل تطوير أسواق السندات الحكومية المحلية، حيث ساعد الطلب على السندات من مستثمري المدى الطويل المحليين في احتواء تكاليف التمويل والضغوط الخارجية في السنوات الأخيرة.ش